[size=21][size=25]الرؤى والأحلام أخطاء ووقفات
أما بعد: فقد مات محمد صلى الله عليه وسلم ، وقد مات أبو بكر وعمر والصحابة
الكرام، وقد وافت المنية الأئمة الأعلام، وقد داهم هادم اللذات الملوك
والأمراء والوزراء والأغنياء، وبيديك هاتين واريتَ أحبابًا وإخوانًا
وأمهاتٍ وآباء، تالله لقد احتضنتهم الأرض فشقيٌّ معذَّب وسعيد مكرَّم، وإن
في المقابر لحفرا قد حفرت فلا نعلم والله أيّنا يكون صاحبها.
أمرّ على المقابر كل حين *** ولا أدري بأيّ الأرض قبري
ألا فاتقوا الله حقّ تقاته، ألا فاتقوا يومًا ترجعون فيه إلى الله، ثم توفى
كل نفسٍ ما كسبت وهم لا يظلمون.
عباد الله، إن الله سبحانه وتعالى قد اختصّ بعلم الغيب: {قُلْ لا يَعْلَمُ
مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ وَمَا
يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} [النمل:65]، لكن الناس اليوم وفي مثل
هذه العصور المتأخرة تولّعوا تولّعًا شديدًا بالحديث عن الغيبيات، وتاقت
نفوس ضعيفة إلى مكاشفتها، ما بين مؤمنٍ بالخرافة وراض بالكهانة، وآخرين
سادرين في السجع والتخمين، يقذفون بالغيب في كل حينٍ، والناجون من هذا وذاك
تطلعت نفوسهم إلى أمرٍ آخر، واشرأبت نفوسهم إليه، ألا وهي تلك المنامات
التي يرونها، وقُل في بعضهم: يتراءونها، مما أصبحت اليوم هي حديث الناس
وسؤالهم.
وتكالبت همم كثير من الناس عليها، وتعلقت النفوس بهذه الرؤى والمنامات،
وأصبحت شغل الناس الشاغل عبر المجالس والمنتديات والمجامع، بل أصبحت سوقًا
رائجة لها زبائن كثر في القنوات الفضائية، فأجلبت الفضائيات بخيلها في ذلك،
وعقدت مجالس للرؤى والمنامات لما رأت تهافت الناس السريع لذلك.
وأصبحت ترى اليوم إن كان السائل عن الأمور الشرعية واحدًا فالسائل عن الرؤى
والمنامات عشرة، ورأيت مهمومين مغمومين يكلمك أحدهم أنه لم ينم ليالي
عددًا، لمـه؟ لرؤيا مقلِقة رآها، وقد يكون عبّرها له جاهل بسوء، وأصبحتَ
ترى فرحين سعداء، لكأنهم يترقبون بيوتهم تنقلب بساتين وقصورًا، أو وسائدهم
تنقلب ذهبًا، بسبب رؤيا رأوها.
من أجل ذلك كلَّه كان لزامًا علينا أن نسلّط الضوء على المنهج الشرعي
والهدي النبوي تجاه الرؤى والأحلام، قال تعالى في كتابه الكريم: {أَلا
إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ *
الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمْ الْبُشْرَى فِي
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ
ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [يونس:62-64].
قال عددٌ من الصحابة والتابعين عند هذه الآية: "{لَهُمْ الْبُشْرَى فِي
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} هي الرؤيا الصالحة يراها الرجل المسلم أو تُرى له"،
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((لم
يبق بعدي من النبوة إلا المبشرات))، قالوا: وما المبشرات؟ قال: ((الرؤيا
الصالحة)) رواه البخاري.
وهذه الرؤيا ـ يا عباد الله ـ هي التي قال عنها الصادق المصدوق صلوات الله
وسلامه عليه: ((إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب، وأصدقكم رؤيا
أصدقكم حديثًا، ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة)) رواه
البخاري ومسلم